الملهمة (1)

آراء

لم تكن مسيرة الإبداع الإنساني وليدة صدفة أو حدثٍ طارئ، أو تطوراً طبيعياً في سياق تاريخي، بقدر ما كانت تراكماً للخبرات التي شكلتها تجارب ومواقف ألهمت البشر ليواصلوا مسيرة التقدم والبناء، وليحققوا في فترة بسيطة من عمر الكون الواسع قفزات واسعة نقلت الإنسان إلى المستقبل.

الإلهام.. كلمة سر التطور الإنساني والمحفز للكثير من التجارب المذهلة في مختلف الميادين، والتجربة أو الشخصية أو القصة الملهمة هي مفهوم يتلخص في العنصر المحفز للعقل البشري على الإبداع، والابتكار والإنجاز في مختلف المجالات، الأدبية والفنية والاجتماعية والاقتصادية، وحتى في عمل الإنسان اليومي، في العمل المؤسسي، في الحكومة وفي القطاع الخاص وفي مختلف مجالات النشاط البشري.

وللإلهام مصادر كثيرة، قد تتمثل في خلوة مع النفس، في العودة إلى الطبيعة، في الاستماع إلى الموسيقى، في القراءة، في لقاء أشخاص جدد، في معايشة تجارب مختلفة، في كثير من الأشياء البسيطة التي قد لا يلقي المرء لها بالاً، لكنها تكون مُحفزاً للإنجازات العظيمة.

ونلاحظ عادة أن الفنانين والكتاب يتقصدون الخلوة الذاتية في أماكن مختلفة، تتميز بخصوصيات جمالية معينة، وربما تكون صاخبة أحياناً، ومجللة بالصمت والسكينة أحياناً أخرى؛ لكي يتمكنوا من الكتابة. كما نجد بعضهم يحرصون على الالتقاء مع شخصيات مختلفة في المجتمع للحوار في العديد من القضايا، وهكذا تتسع دائرة خبراتهم ومدركاتهم، ويستلهمون أعمالهم، ويخرجون بمؤلفات شائقة، تشق دروباً جديدة في صفحات الوجود. ولكن، كيف نستدل على الإلهام ذاته في يومياتنا وأفكارنا وأعمالنا؟

على الرغم من عدم وجود وظيفة أو مسمى، أو وصف وظيفي للملهم في القطاع الحكومي، إلا أن حولنا يوجد ملهمون في مختلف المواقع الإدارية، ممن لديهم نبع لا ينضب من الأفكار، وكما نرى أن في مساعينا للخروج بأفكار جديدة مبتكرة في وظائفنا، غالباً ما نتوجه إلى تنظيم جلسات «العصف الذهني» في مكان جميل هادئ بعيدٍ عن مقر العمل.

ولكن كل ذلك لن يجدي نفعاً إذا لم يرغب الشخص في التجديد وتقبل الأفكار المختلفة، فالإلهام يتطور بتطور الشخص نفسه، فكلما غذيت خيالك ومعرفتك، تقدَّم فكرُك وتطوّر إبداعُك، وكلما تراجعت وضعفت مشاهداتك وقراءاتك، كنت ضحل الخيال، ولن تجد لبريق الإلهام طريقاً في حياتك. يجب أن تعطي نفسك مجالاً للراحة والتأمل والاستمتاع بالجمال المتناثر من حولك، وحينها تتاح لك الفرصة للتمعن والتعمق في الأفكار المختلفة.

يظنُ البعض أن الإلهام يحتاجُ منا إلى قدرات مستحيلة، لكنه يخفى عليهم أن الإلهام قد يكون بكلمة أو موقف تكون لك كشرارة تغذي إبداعاتك، تخرج بها بأفكار عظيمة، أو قد تكون لحظة بسيطة من العاطفة تخلق منها تحفة فنية. إن الإيمان بالإلهام يأتي من داخلنا، وكل واحد منا يسكن في داخله الإلهام، وقد يحتاج أحياناً إلى من يخرجه من داخله.

وكما أن للإبداع الفني والأدبي مُلهِمين يحفزون المخيلة، فإن للحكومات أيضاً ملهميها، فهل سمحت لك الفرصة أن تعمل مع أحد ملهمي الحكومات؟ أم أنك أحدهم؟ أو أحد المنضمين لمدرسة الإلهام الحكومي في دولة الإمارات العربية؟

المصدر: الخليج