النصيحة سراً: ليست وظيفتي!

آراء

هاتفني ناصحاً: ليتكم في الإعلام تحرصون أن يبقى نقدكم للمسؤولين والوزارات نصيحة لا تعلن على الملأ.
أجبته بأن من وظائف الإعلام الأساسية أن ينتقد وأن يراقب مواقع الخطأ ونقاط التقصير بالقدر المتاح من حرية التعبير ومساحة النقد. قال: وما الفائدة حينما تشهرون بمسؤول أو مؤسسة؟ قلت: إن النقد ليس تشهيراً بل ضرورة حضارية ومن شروط المهنية في الصحافة.
أما التشهير فهو ممارسة قبيحة تحترفها بعض المواقع الإلكترونية ممن يتبرقع “أصحابها” بالأسماء المستعارة. وكثيراً ما قيل لي – من باب النصيحة – ما ذا سيضيرك لو رفعت سماعة الهاتف وخاطبت المسؤول مباشرة بدلاً من عرض المشكلة على الناس.
تلك النصيحة مما يندرج في “الوصاية الأبوية”. ليست وظيفتي أن أهمس في أذن المسؤول كي يصلح من أحوال مؤسسته. تلك من مسؤوليات مستشاريه ودائرته الخاصة. وأولئك الذين يغضون الطرف عن مواطن الخلل والفساد فهم في رأيي شركاء في الخلل والفساد.
هذا اللبس في وظائف الإعلام يتحمل الجزء الأكبر من مسؤوليته بعض “الحرس القديم” في إعلامنا ممن فتحوا باب المنافسة للمبالغة في مدح المشاريع وتضخيم المنجز والتطبيل للمسؤولين حتى ظن بعضهم أنه فوق النقد وأنه لا يخطئ وأن الصحافة مجرد مطية يصل بها لمناصب أعلى!
قبل سنوات علقت على مقال كتبه د.عبد الله ناصر الفوزان يدحض فيه فكرة “النصيحة بالسر” التي يطالب أحياناً بها الإعلام فاكتشفت من اتصالات بعض زملاء المهنة أن الخلل الحقيقي هو في قصور فهم بعضنا.
بعضهم حكومي أكثر من الحكومة نفسها! وإنك لو بحثت أكثر في أبعاد هذه الإشكالية لوجدت أن مشكلاتنا – في الإعلام – أكثرها هي من صنع أيدينا.
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٩) صفحة (١٧) بتاريخ (٢٢-٠١-٢٠١٢)