شعب الله «المديون»!

آراء

خليجياً، الكل يشتكي من الديون. شاب في مقتبل العمر مزحوم بهموم ديونه للبنك في مشروعه الخاسر بسوق الأسهم.
وآخر ما زال البنك شريكه في راتبه الزهيد يسدد به قرض السيارة التي قاربت على الهلاك ولم يكمل سداد قرضها.
المتزوج حديثاً -في الغالب- منشغل بديونه أكثر من انشغاله بشريكة العمر. وبعضنا، كلما زاد راتبه زادت قروضه: سيارة للعائلة وتوسعة للبيت وسفرة طويلة في الصيف. ليس ضرورياً أن تكون القروض مما يأتي في باب “الفشخرة” لكن كثيراً منها فرضته على مجتمعنا حديثاً ثقافة استهلاكية كاسحة. لكأننا نقضي أعمارنا سداداً للقروض وخدمة للبنوك. يقول صديقي مازحاً إنه يزور البنوك أكثر من زياراته لأقاربه.
وقال إنه يوم العيد يتمنى لو يزور مديري البنوك، بنكاً بنكاً، ليقبل رؤوسهم فهم -كما وصفهم صديقي- “أعمامه” الجدد ورضاهم يأتي في رأس الأولويات. وأعرف رجال أعمال كباراً ظننتهم أبعد الناس عن هموم الديون، فاكتشفت أن أغلب مشروعاتهم قائمة على قروض بنكية.
الحكومات والشركات والأفراد يقضون أوقاتاً طويلة في معمعة الديون. الغني مدان والفقير مدان. أعرف أن الديون ليست عيباً، لكنها إن كانت عبئاً على الحكومات فهي أشد وطأة على الأفراد. وفي مجتمعاتنا -وهي النفطية التي يظن البعيد أن أفرادها يعيشون في رفاهية لا نعرف معها أين نكدس الملايين- بات الفرد، في الغالب، يمسي على دين ويصبح على قرض.
لا نريد لأجيالنا المقبلة أن ترث ديوننا، الضروري منها والعبثي.
وإن كنا نتحدث أحياناً عن صناديق للدين العام فهل نفكر جدياً في إنشاء صناديق للدين الخاص؟ الأهم من ذلك أن نبدأ في مشروع ثقافي حقيقي لمواجهة ثقافة الاستهلاك المهلكة، تلك التي غزت بيوتنا وعقولنا وقلوبنا. وهنا أكبر أشكال التحدي!
نشرت هذه المادة في صحيفة الشرق المطبوعة العدد رقم (٤٨) صفحة (١٥) بتاريخ (٢١-٠١-٢٠١٢)