هدى ابراهيم الخميس
هدى ابراهيم الخميس
مؤسّس مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون

لحظة السلام يكتبها التاريخ بمداد من نور

آراء

السلام نور، يشرق على الإنسانية ليزيل عتمة الفكر والضمير، وهو الهدف الأسمى الذي يسعى إليه الإنسان، للخلاص من التطرف والعدوان، والسلام وفرة وتنمية، ووعد بالبذل والعطاء من أجل نهضة الأوطان ورفعة الشعوب بتوفير الأمن والأمان أساساً لمقوّمات التنمية المستدامة.

السلام رؤية حكيمة ترتكز على الحق والعدل والحوار، ورفض استخدام القوة في فرض الأمر الواقع، والأجدى للعالم العربي احتضان السلام نظراً لما تحتويه المنطقة من إمكانات هائلة باعتبارها مهد الأديان السماوية، والتي هي في جوهرها الحقيقي دعوات للسلام والتسامح وبناء الحضارات.

وقد سعت الإمارات، منذ أسسها الشيخ زايد، «حكيم العرب»، طيب الله ثراه، عبر محطاتها التاريخية الكثيرة، لتحقيق رؤيتها العميقة، في إرساء مبادئ ومفاهيم السلام العالمي. والمتتبع لتاريخ الإمارات، ومنذ نشأتها، يدرك أن قيادتها الرشيدة سارت على الطريق نفسه، عاملةً على تعزيز ثقافة السّلم وترسيخ مكانة الإمارات قوة مؤثرة لحل النزاعات وتحقيق التفاهم العالمي، لنصل من خلال هذا النهج السلمي إلى هذه اللحظة الفريدة والجريئة، والمتمثلة في معاهدة السلام بين الإمارات وإسرائيل، في أصعب مرحلة تمر بها المنطقة والإنسانية، إعلاءً لقيم الوئام والتضامن والتزاماً بالسلام العادل والشامل، وحفظاً للحقوق: حق الفلسطينيين بأرضهم، حق الشعبين بحل الدولتين، وحق الشعب الفلسطيني بدولة ذات سيادة على حدود 1967 بقرار الأمم المتحدة رقم 242، والقدس الشرقية عاصمة لها، مع التزام إسرائيل بإيقاف الضم، والاستيطان.

إن هذا الحدث التاريخي في واحدة من أعقد القضايا على مستوى العالم، من شأنه أن يعزز السلام في منطقة الشرق الأوسط، وهو شهادة على الدبلوماسية الجريئة والرؤية التي يتحلى بها قادة الإمارات.

وعقب هذه الخطوة الرائدة والفريدة، يأتي دور جميع مؤسسات الدولة وخاصة الثقافية في ضرورة تحمل المسؤولية في تأسيس وترسيخ ونشر ثقافة الحوار بين الجميع، عبر غرس فكرة احترام الرأي الآخر والتحاور معه، أسلوب حياة، تكون نواة لترسيخ ونشر ثقافة التسامح ومحاربة التطرف، فكافة المؤسسات تساهم بشكل أو بآخر في تشكيل الوعي، وتحديد توجهات البشر في مختلف المجتمعات. وفي قطاع الثقافة والفنون، كان النهج الأسمى لنا هو دعم السلام والمساهمة الإيجابية في الحضارة الإنسانية، فعلى مدار تاريخ الإنسانية، نهض نتاج الثقافة والفنون، ليكون بمثابة مظلة حقيقية وحائط صد، يحمي المجتمعات المتعايشة من مخاطر الكراهية والتمييز.

إن رؤية سيدي صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد، للسلام بالمنطقة، ليست وليدة اللحظة، بل خرجت من قائد تربى وتشبع فكره من قيم ومبادئ زايد العدل، طيب الله ثراه، لم يستسلم سموه أبداً للمرارة والعداء، بل كرّس طاقته الهائلة للمضي بخيار السلام وإبعاد شبح ضم الأراضي الفلسطينية.

اختار صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد خيار السلام، وهو الخيار الأصعب، لإيمانه العميق بأن الكل خاسر في الحروب، اختار السلام لأجل الحياة، لأجل الإنسانية، لأجل محاربة الفقر والجوع والدمار الشامل، لأجل النماء والسعادة، والاستثمار في بناء الإنسان بقوة السلم التي تضاهي أعظم القوى العسكرية أثراً.

اختار سموه السلام من أجل الحضارة، لتحقيق الأحلام والطموحات، بالسبق العلمي والتقني، في كل المجالات الاقتصادية والفكرية والثقافية، بالابتكار والإبداع، وليس مسبار الأمل إلا أول الغيث. اختار ريادة السلام لإيمانه بالدبلوماسية والتفاوض لحل الصراعات التي لا تنتهي، اختار السلام بحكمة وإرادة خير وعزيمة أمل، تضمن للشعوب أمنها واستقرارها وللدول نهضتها وكرامتها.

وختاماً، فإن اتفاقية السلام بين الإمارات وإسرائيل، هي اتفاقية تُضاف إلى سجل الإمارات الحافل في صنع السلام، اعتمادا على الأسس والثوابت الإماراتية ومركزها القوي وعلى المصالح العليا للدولة، والأمة العربية.

أبا خالد العادل، نجمنا الساطع، يا قدوتنا وقائدنا الذي لن يأتي التاريخ بمثله، لحظة سلام الإمارات هذه، سيكتبها التاريخ لنا بمداد من نور.

المصدر: الاتحاد