أوميكرون في بيتنا!

آراء

تتوالى الأحداث الإقليمية والدولية بسرعة هائلة وتتتابع الأخبار كل ساعة، بل كل دقيقة، وما إن تعتقد أنك بدأت تفهم أسباب وتداعيات حدث واحد، حتى تنشغل من جديد بحدث جاء للتو كخبر عاجل تتناقله وسائل الإعلام العالمية، فمن أعمال «الحوثي» الإرهابية ضد الإمارات والسعودية، ورصد ردود الفعل الدولية المنددة بإرهاب الجماعة المارقة في صنعاء ومن يقف وراءها، ثم الجدل حول انعقاد القمة العربية، إلى المخاوف العالمية من احتمال غزو روسيا لأوكرانيا، إلى الجدالات العميقة والسطحية حول فيلم «أصحاب ولا أعز»، تجد نفسك فجأة أمام حدث آخر لم تكن تتوقعه، بل تعتقد أنك بمنأى عنه، حدث يشل حركتك ويمنعك من الخروج من منزلك… جاء (كوفيد) – هذا الضيف ثقيل الظل – ودخل منزلي دون استئذان، بل تسلل إلى غرفة نوم أولادي ليجبرنا جميعاً على البقاء في البيت انتظاراً لزوال آثاره كلية وفقاً للإجراءات الاحترازية المعتمدة في إمارة أبوظبي.

فجأة، وجدت نفسي مع أولادي، على صغرهم، نتساءل عن هذا الفيروس الذي شل حركة أسرة بأكملها وأربك كل خطط الأسبوع، غير أن المطمئن، لي ولعائلتي، أننا نعيش في بلد شعار قادته الكرام، منذ الأيام الأولى لأزمة كورونا «لا تشلون هم».

بالفعل، كيف نحمل الهم في بلاد ضربت أروع الأمثلة على مستوى العالم في التعاطي مع تداعيات كورونا وجاءت في المركز الأول عالمياً على مؤشر «بلومبيرج» لأفضل الدول مرونة في التعامل مع جائحة «كوفيد ـ 19»، كما احتلت المرتبة الأولى عالمياً في مؤشر المرونة الوبائية 2022، الصادر عن مؤسسة «كونسومر تشويس سنتر» الأميركية.

ما إن تأكدت إصابة أبنائي، خليفة ومحمد، بفيروس كورونا، حتى توالت الاتصالات من فريق «صحة» للاطمئنان وتحديد مواعيد الزيارات المنزلية مع تزويدنا بجميع تفاصيل الحجر المنزلي وطرق التعاطي مع الإصابة بهذا الفيروس داخل المنزل. أما بالنسبة لي، فكانت القصة مختلفة، إذ بدت كل الأعراض المعروفة حاضرة معي من ارتفاع في حرارة الجسم، وصداع، وإنهاك جسدي عام، ولكن نتائج المسحة الأنفية كانت سلبية لأكثر من مرة.

بدأ الوسواس ينهك تفكيري: هل أصبت بداء مختلف غير كورونا؟ ما العلاج الذي يجب أن آخذه بخلاف المسكنات وأدوية خفض الحرارة؟ وهنا استجمعت قواي النفسية والبدنية وقررت الذهاب إلى المستشفى لإجراء تحاليل شاملة. أكدت الطبيبة أن كل الأعراض تشبه أعراض المتحور الجديد «أوميكرون» وبحكم الخبرة، طمأنتني أن هذه مسألة طبيعية وتحدث من وقت لآخر مع تشديدها على ضرورة البقاء في المنزل، وأن أتعامل مع الأمر كمصاب بالفيروس.

وبالفعل، جاءت النتيجة إيجابية بعد الفحص الرابع، وهنا ذهبت كل المخاوف وبدأت مواجهة الحقيقة: لقد أصبحت رقماً جديداً ضمن ملايين المصابين بكورونا حول العالم ولكن مع فارق كبير، ألا وهو أنني أعيش في بلد عظيم يهتم بكل فرد يعيش على أرضه ويضمن أمن وسلامة الجميع. عند الإصابة بكورونا، تدرك أهمية الجهود الاستثنائية التي بذلتها دولة الإمارات لاحتواء الفيروس ومتحوراته وتوفير التطعيمات الآمنة لأبناء وسكان الإمارات، فقد بلغت نسبة الحاصلين على الجرعة الأولى من إجمالي السكان 100%، والحاصلين على جرعتي لقاح 93.73% من إجمالي السكان. وبالطبع، واضح جداً أن الحاصل على اللقاح حتى لو أصيب بالفيروس فإنه يعاني بدرجة أقل مقارنة بمن لم يحصل على اللقاح.

وفي هذه الأثناء، تتداول الأخبار محاولات الحكومة الألمانية فرض التطعيم كإجراء إلزامي على مواطنيها للحد من تداعيات كوفيد-19. لقد كانت الإمارات من أولى الدول على مستوى العالم التي حثت سكانها على التطعيم ووفرت لهم كل الخيارات الآمنة وبالمجان، تُدرك قيمة وأهمية مثل هذا القرار عند اللحظة التي تصلك فيها نتيجة الفحص «إيجابية»!

ربما هي من المرات النادرة في حياتي، والحمد لله، التي اضطررت فيها للبقاء في المنزل بسبب عارض صحي. وهنا وجدت، مع أسرتي الصغيرة، في التجربة فرصة تأمل عميقة في جوانب كثيرة من حياتنا وفرصة لقضاء وقت نوعي مع الأبناء. في أيام العزلة الأولى، وجدت فرصة ثمينة للتواصل مع أصدقاء مرت أشهر طويلة دون أن نتحدث هاتفياً. وفي كل مكالمة نعترف أن «الوقت يسرقنا» عن أصدقاء وأقارب وزملاء نفتقد حضورهم أو إطلالتهم من حين لآخر. تجربة كورونا، عموماً، فيها الكثير من الدروس والعبر. ثمة نعم كثيرة نعيشها في حياتنا اليومية ربما لا ندرك قيمتها إلا في اللحظات القصيرة التي نُحرم منها.

ولعلها فرصة أن يتوقف الإنسان، ولو قليلاً، عن ركضه المعتاد ويتأمل كم هي كثيرة النعم التي حبانا بها الله تعالى، وعلى رأسها الصحة، فـ«الصحة رأس المال»، كما كان يقول أبي، رحمه الله. ستمضي كورونا وتنتهي هذه الأزمة، وسيظل الامتنان الكبير للقيادة الحكيمة في دولة الإمارات الحبيبة على جهودها الاستثنائية والمستمرة لتجعل حياة أهل هذه الديار الكريمة، ومن سكن أرضها، حياة كريمة، بمعنى الكلمة، آمنة، مطمئنة. قبل فترة، طمأننا صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان قائلاً: «هذا الوقت سيمضي». وفي بداية الجائحة، أكد سموه: «لا تشلون هم»، والقول عند «بوخالد» فعل!

المصدر: الاتحاد