بين الكمال والرشاقة

آراء

خاص لـ هات بوست: 

في الستينات من القرن الماضي، برز بقوة مصطلح “الإنتاجية”، ووقتذاك كان هذا المصطلح مرتبط بالأعمال الزراعية؛ حيث كان التجار يتنافسون في توظيف الأيدي العاملة لتسريع عملية الحصاد. وفي وقتنا الراهن أصبحنا مولعين بالإنتاجية بشكل أوسع من ذي قبل، لأنها تعدت عالم الزراعة والصناعة والاقتصاد إلى الإنتاجية المهنية والشخصية، فالإنتاجية التي كانت مبنية على نسبة المخرجات مقارنة بنسبة المدخلات أصبحت تُقاس بالمخرجات ذات القيمة والأثر مقارنة بالوقت والموارد.

وفي اليوم الذي نتحدث فيه عن مهارات الذكاء الاصطناعي والتحول الرقمي، لم تعد ساعات العمل الطويلة سبباً في تحقيق الكمال والإتقان، بل إن مصطلح التنافسية قد حل بديلاً لمصطلح الإنتاجية، ولم تعد المنظمات المتخصصة في تقييم الأعمال المؤسسية تقيس الإنتاجية كعامل رئيسي، وإنما أصبحت تركز على الرشاقة المؤسسية والتنافسية.

وبالرغم من أن التركيز على الإنتاجية بمفهومها القديم قد قلّ، وأصبح التركيز أكثر على القيمة الحقيقية للمخرجات وأثرها، إلا أن البعض مازال يعتقد أن قضاء ساعات طويلة من أجل إنجاز كم كبير من الأعمال أو حجم كبير من المهام هو السبيل نحو الوصول إلى الكمال والصورة المُثلى للموظف المتفاني في عمله، ولو سلمنا بهذا الأمر فلن نعتبره خللاً كبيراً، ولكن أن يتحول الكمال إلى نوع من الوسواس القهري، فهنا تكمن المشكلة.

لا أحد يستطيع أن يصل إلى الكمال أبداً لأن ما هو مثالي بالنسبة لك ليس مثالياً لشخص آخر، وما هو مثالي الآن في هذه اللحظة، قد لا يكون مثالياً بعد ساعات قليلة أو أيام قليلة لأن الحياة تتغير بسرعة كبيرة في معطياتها وتوجهاتها.

ومن المهم ألا يعتقد بعض الموظفين أنهم أفضل من بقية زملائهم في العمل فقط لقضاءهم وقت طويل لمراجعة ملف أو تقرير ما، والنتيجة الأخيرة على سبيل المثال هي تغييرات تنسيقية تكميلية كتغيير نوع الخط المستخدم، أو كتغيير مصطلح ليصبح مصطلحاً آخراً له نفس الدلالة، هنا نحتاج إلى إعادة نظر في هذا النوع من المراجعة كي لا نفقد عامل الوقت، فقد يكون الملف غير مجدي بعد التأخير، وقد تكون المراجعات لأمور لن تؤثر بشكل ملحوظ على القيمة الأساسية والحقيقة للعمل.

والأهم من ذلك، ألا يعتقد مديرو هذه الفئة من الموظفين بأن من قضى ساعات أطول في العمل هو الأفضل والأكثر إنتاجاً!. وهنا يجب أيضاً أن نعي جيداً أن الإدارة الدقيقة لتفاصيل بعيدة جداً عن جوهر العمل ستؤثر سلباً على القيمة الحقيقية لإنتاجية الموظف وتعطيل سرعة إنجاز المهام.

السهر حتى الصباح وإعادة أعمال منتهية أساساً ومعتمدة، بهدف إيهام النفس بأنه يجب أن أتعب كثيراً لكي أستحق النجاح، لا يعني بالضرورة أنك منتج أكثر أو أنك حريص على عملك أكثر، بل هو دليل على عدم قدرتك على التخطيط وتفويض الصلاحيات وإدارة الوقت، بالطبع لا نساوم هنا على جودة العمل وإتقانه، بل نؤكد أن المبالغة في أي شيء في الحياة سيؤدي حتماً إلى نتيجة عكسية، مثل الإفراط في التفكير، والإفراط في التخطيط. الوقت يمضي وغيرك ينجز، عليك أن توازن وتعرف متى تبدأ بالتنفيذ أو بكلمة أخرى متى تبدأ بالإنتاج الفعلي.. أحياناً العفوية والتنفيذ الفوري لبعض القرارات يكون لها صدى أكبر وتنجح أكثر، حيث يجب أن تفكر في قيمة ما تقوم به، وإلا فإن بإمكاننا جميعاً أن نعمل لساعات طويلة ولكن دون إضافة قيمة حقيقية للعمل.

العمل بذكاء أم العمل باجتهاد؟ أيهما تفضل؟

الوقت ثمين للغاية، بل إن أحد مفاتيح النجاح هو إدارة الوقت وإنجاز أكبر قدر من المهام، ولهذا تحتاج بالطبع إلى أن تكون حاسماً ومتقناً لفن اتخاذ القرار بحيث تعرف تحديداً متى تحتاج إلى قضاء المزيد من الوقت في مهمة معينة، ومتى تتوقف وتتقدم.. وطبعاً فن اتخاذ القرار أساسه القدرة على تحمل مسؤولية كل قرار تتخذه.

عليك أن تكون سيداً لوقتك وتديره بحيث تنجز أكبر قدر ممكن من المهام في أسرع وقت ممكن بدقة وببصمة خاصة بك، فحاول أن تعمل أقل وتنجز أكثر، واعلم جيداً أن السعي لتحقيق الكمال لا يكون إلا في عدد قليل من الأشياء بسبب الوقت الإضافي الهائل والجهد المطلوب، لذلك من المنطقي أن تختار بعناية متى ستفعل ذلك.

وعليه، فإن العمل على التحسين المستمر هو استراتيجية أفضل من السعي لتحقيق الكمال، فعلى سبيل المثال، يجب أن تسلم العرض التقديمي المطلوب منك في الوقت المحدد، بحيث يحتوي على كافة البيانات الأساسية التي تشرح الفكرة تماماً، وبإمكانك لاحقاً وضع بعض اللمسات الجمالية وتنسيق شرائح العرض وإعادة إرساله، لكن إذا انتظرت لتصل للكمال فستعيش في ضغط، ولن يكون لديك وقت لإنجاز مهام أخرى، وقد تتأخر أيضاً في تسليم المهمة الأساسية التي كُلفت بها.

أخيراً تذكر:

  • الكمال شيء نسبي.
  • اعمل أقل وأنجز أكثر.
  • اترك بصمتك الخاصة في كل عمل تنجزه.
  • تعلم فن اتخاذ القرار بالممارسة.
  • الوقت أثمن ما تملك، فكن سيده.
  • التحسين المستمر هو ما سيصل بك إلى المرحلة المقبلة من حياتك المهنية.
  • عندما يواجهك شبح الكمال وجه تفكيرك مباشرة لقيمة العمل وأثر ما تقوم به.
  • ابذل مجهوداً مناسباً للأنشطة المناسبة، وتعلم كيفية تحديد الأولويات وكيفية التعامل مع المشتتات.

 

شاركوني آراءكم وتجاربكم..