صناعة الأبطال

آراء

يكتب المثقف أو يقول رأياً ناقداً، في شأن محلي أو موقف سياسي، فيجد نفسه بين ليلة وضحاها وقد أصبح بطلاً وطنياً وهو لم يقصد. بعض المؤسسات العربية تجيد صناعة الأبطال. ومن ثم تصنع أعداءها بأيديها. أحياناً عن قصد وأحياناً كثيرة عن جهل. فالمثقف -أو غيره- حينما يُضايق (بالسجن أو المنع من السفر) لأنه عبّر عن رأي مختلف تجاه موقف أو سياسة إنما نصنع منه ما لم يرده لنفسه. والنقد، عموماً، ضرورة تنموية لما توجِده من توازن إيجابي في صناعة القرار. حينما أعترض على رأيك فإنني لا أعترض بالضرورة عليك. وحينما أقترح فكرة مختلفة عن تلك التي تعودت عليها وارتحت طويلاً لها فإنني لا أقصد مطلقاً التشكيك في شرعيتك أو في قدرتك. أنا فقط أعبّر عن رأيي، وتستطيع بالحوار الإيجابي أن تقنعني بخطأ رأيي. وإن استطعت إقناعي بخطئي فلك أن أبادر بالاعتذار منك مع باقة شكر صادقة لقاء مساعدتي على رؤية ما كنت لا أرى! عندي صديق تعلمت منه مصطلح «تكبير السالفة». بعض أجهزتنا، في الخليج، متخصصة في «تكبير السالفة» حينما تلاحق رأياً عابراً ربما لا قيمة له، فتصنع له قيمة ولصاحبه بطولة. ماذا سيضير لو «كبرنا عقولنا» وتسامحنا مع رأي سياسي عابر ولا يهدد الأمن الوطني، أو قيل في لحظة حماقة أو جهالة؟ أو قيل عن طيب نية وحسن قصد؟ منطقتنا تمر اليوم بلحظة تحولات تاريخية ومهمة ومربكة. من الأجدر والأجدى أن نركز الجهد على اللحمة الوطنية المتماسكة ومواجهة ما يمكن تهديدها من فساد أو سوء إدارة. أما أولئك المتخصصون -بجهل- في صناعة الأبطال إنما يسهمون -بجهل- في صناعة الأعداء. والمرحلة حرجة ولا تحتمل مزيداً من الأبطال الأبرياء!

صحيفة الشرق